محمود الوردانى يكتب :  الفاجومى ونوارة (2)  قصة حب

محمود الوردانى
محمود الوردانى

من بين ما تضمنه كتاب «إنت السبب يابا» لنوارة نجم قصة الحب العاصفة والمفعمة بالدموع والهجر والتمنع والدلال والخوف. هناك - فى الكتاب - تاريخ كامل لمصر منذ سبعينيات القرن الماضى وحتى رحيل نجم بلا أى مبالغة، لكننى اخترت هنا قصة حب نجم ونوارة بكل ما فيها من شجن يخطف القلب.

كتبتْ مثلاً: «قضيت خمس سنوات فى طفولتى الباكرة، أسمع صوت أبى وأرى صوره وأغنى أغانيه، ثم قضيت ثلاث سنوات أبحث عنه، ثم سنوات أخرى يسافر فيها أبى، وأنا فى العاشرة من عمرى، ليقضى خمس سنوات أخرى يجوب بلاد الله ويتزوج ويطلّق، ويتشاجر مع الشيخ إمام ومحمد على، ويتصل بى مرة واحدة، ويرسل بلوفر وألف جنيه لى، وألف جنيه أخرى لأختى عفاف».

ربما كانت هذه الجمل القصيرة والقليلة تعبّر بدقة عن النصف الأول وحتى مراهقتها من حياتها مع نجم . وبعد هذا أمضت السنوات التالية فى السعى إليه والخوف عليه. فى إحدى لحظات الحب العاصف بينهما، وبعد أن تمكنت من العثور عليه، أفضت له بكل ما تشعر به هاتفياً. صمت كثيراً ثم قال: «يبدو إنى ابن كلب فى نفسى .. أنا جاى حالاً»..

وعرفت أنه يحب محشى الكرنب، وسألت عن طريقة عمله، وطهت أسوأ محشى يمكن تصوره طبعاً!

وكان كلما ذهب إليها، تسحبه إلى الحمام وتغسل يديه ووجهه وتقص له أظافره، وهو يحاول التملص منها، خصوصاً فى الشتاء بسبب برودة المياه!

وعندما قُبض عليها فى المرة الأولى، راح نجم يبكى ويحاول الاختفاء من الدنيا كلها، وهو الرجل الذى أمضى جانباً لابأس به من عمره فى سجون مصر، وكذلك عندما علم أنها تشارك فى معارك محمد محمود بعد 25 يناير، أصابه الرعب من أن يلحقها مكروه ، بل واتصل بالأستاذة صافيناز ليطلب منها صارخاً: «قولى لنوارة تسكت.. قولى لنوارة ترجع»، لكن الأم رفضت وكانت أكثر جسارة، بل وقفت فى ظهرها وساندتها.

كتبت نوارة أيضاً:

«لكن أبى لم يفت فى عضدى قط، ولم يتصل بى مرة واحدة ليطلب منى العودة، كان يُنفّس عن قلقه مع أمى التى كانت توسعه لكمات كلامية، وهو يتقبلها بصدر رحب، ويبكى ويغلق الخط. فى كل المرات التى اتصل بى فيها كان يشجعنى، وحضر بنفسه إبان إضرابى عن الطعام ليشد من أزرى».

وتضيف: «وبهذا مرّت أحداث الثورة، أنا فى الشارع، وأبى يبكى لأمى، وأمى توقظنى كى ألحق بالناس، والدكتورة رضوى عاشور تستلمنى من الميدان، وتطمئن أننى تحت عينيها».

 ومع كل هذا لم يكفا عن المشاجرات والتلاسن والمعايرة. وعندما دخل المستشفى بسبب إصابته بالجلطة، وأقامت معه لترعاه وقامت بواجبها ومنعته من التدخين، طردها من المستشفى وأمر التمرجى بمنعها من الدخول، فرفضت وأقامت معه دون إرادته، وكان من الأمور العادية أن يصل صوت شجارهما إلى كل أنحاء المستشفى على مدار اليوم، وتخيّل التمرجى أن نوارة زوجته وليست ابنته بسبب شراسة نوارة!

وقصة الحب بينهما كانت من بين قصص الحب الخالدة التى يمتلئ بها الكتاب، مثل قصص الحب بين نجم وبين الناس والشعر والضمير الصاحى وعشق سيد شباب أهل الجنة.. الحسين.

فى الأسبوع القادم - إذا امتد الأجل- أواصل القراءة.

اقرأ ايضاً | محمود الورداني يكتب: الفاجومي.. ونوارة (١)

نقلا عن مجلة الادب : 

2023-3-4